حواجز الأحكام المسبقة !

أن يكون لديك حكم مسبق عن شخص يعني أنك شكلت حاجزًا بينك وبين هذا الشخص، وكذلك حاجزًا آخر بينك وبين عقلك وبصرك وبصيرتك، لأنك رأيت بأعين الناس لا بعين رأسك، وحرمت نفسك من استخدام عقلك؛ فتكون بذلك قد جنيت على نفسك وتجنيت على الكثيرين.

إن الأحكام المسبقة تسجن صاحبها في سيل من الظنون السيئة والافتراضات السلبية التي تهيمن على حياته؛ فتعزله عن كثيرٍ من الأشخاص والأشياء في حياته، وهذه إمّعية قد تكون فكرية أو ذات أبعاد طبقية مختلفة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو دينية.
 
تتكون الأحكام المسبقة السلبية نتيجة مواقف وتجارب شخصية جرت على سبيل المثال بين أشخاص من تيارات سياسية مختلفة أو طبقات اجتماعية متفاوتة أو من بلدان متعددة، وتكون هذه المواقف والتجارب سيئة وفاشلة فتترك انطباعات حادة بين الذين عاشوها، وغالبًا ما يتم تعميم هذه الانطباعات على جميع أبناء الجنسية أو الطبقة الاجتماعية أو الأيدلوجية الفكرية من كلا الطرفين اللذين عاشا التجربة، ويتم بعد ذلك تداولها حتى إنها أصبحت إرثًا في بعض المجتمعات.
 
 
عَمّقت وما زالت تُعمِّق هذه الأحكام المسبقة الانقسامات بين شعوب الأمة وداخل مجتمعاتها، وباتت كما الوباء تنتشر كالنار في الهشيم كأنها قوانين حياة ومواثيق لا يمكن تجاوزها أوصلت البعض لتجنب العمل والاحتكاك بالآخر لأنه مختلف عنه ويفترض أنه سيّئ أو أنه غير مناسب لمجرد هويته الفكرية أو الجغرافيا.. إلخ.
 
غير أن هذا المنطوق يخالف التعاليم الأساسية لديننا الذي يدعوننا إلى التدبر والتفكر، وكذلك يطلب منا ألّا نكون إمَّعات وقد جعلنا الله شُعُوبًا وقبائل لنتعارف لا لنتعارك وفي هذه الأحكام تسود غالبًا أفكارٌ جاهلية تزعم بالأفضلية المطلقة لشريحة أو فئة على حساب أخرى وأنه الحق المطلق وما سواها باطلٌ محض وهذه من أسوأ المراحل والتصورات المسبقة التي تزرع العنصرية والفئوية الضيقة في النفوس فيصبح التعامل الباطن في مختلف المجالات على أساسها.
 
لا شك أنه لا يوجد إنسان كامل متكامل خالٍ من الأخطاء والعيوب؛ لذلك لا تحكم على شخص من موقف واحد لم يحسن التصرف فيه لأنك ستشعر بالظلم أن قام أحدهم باختبار ثقافتك من خلال سؤالٍ واحدٍ تجهله على سبيل المثال وكذلك الناس، فلا تتسرع في الحكم على الآخرين سلبًا وكذلك أيضًا لا تندفع وتعطي ثقة عمياء، وكن على هونٍ دومًا واعتدل في أحكامك كلها، ذلك أن الاعتدال والاتزان أساس أي استقرار للنفس أو لأي مكون في هذه الحياة؛ لذلك حاول دومًا تجنب سوء الظن، وافترض مع الحرص حسن الظن ما استطعت حتى يعاملك الناس بالمثل، وقد قال في ذلك بشر الحافي "من سره أن يسلم فليلزم الصمت وحسن الظن بالخلق".
 
لم يُفسد مجتمعاتنا العربية شيء مثل الفئوية التي جعلت البلدان أشبه بالمزارع الشخصية أو الحزبية لا تحكمها معايير بقدر ما تحكمها الولاءات للأشخاص أو المصلحة أو الفكر الضيق، وهذا ضيّع المعايير المهنية والموضوعية في الكثير من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، فأصبحت الأنانية هي التي تحكم والمصلحة هي التي تسيطر وضاعت بذلك القيم والمبادئ، والمفاهيم وضاع الناس بين ذلك وتفرقوا بين موالين ومعادين.
 
ومن صَنَع الولاء على أساس المصلحة؛ هو من صنع العداء على أساس عكسها، ذلك أن المصلحة أو المنفعة الفئوية الضيقة هي مفسدة مطلقة والعدل الذي يخص ولا يعم هو ظلم، وحتى نستطيع التقدم إلى ركب الأمم والحضارات ينبغي علينا أولًا أن نكسر هذه الحواجز.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

ما أصل عبارة "كومير" التي يطلقها المغاربة على نوع من الخبز؟

عبد الصمد الإدريسي يكتب: الإشادة بالجريمة الإرهابية في القانون المغربي

لوموند: تناقص المدارس الحكومية بمدن المغرب الكبيرة