الإسلام السياسي وإشكالية النقد الذاتي

أصبح الإسلام السياسي في عموم العالم الإسلامي جزءا أصيلا في الخارطة السياسية بعد أن أثبت حضوره القوي على كل الصعد الثقافية والفكرية والأدبية.. إلى جانب الحضور السياسي.
 
ثمة إشكالية ثقافية ترافق هذا الانتشار الجماهيري الواسع، وهي مسألة تقبل النقد الصادر من الآخر؛ ونقد الذات الذي يتأتى من المراجعة المستمرة للنهج الذي تتعامل به الحركات والجماعات السياسية؛ مراجعة الذات ونقدها نقدا بناء يؤهلها لاستدراك العيوب، ودعم مواطن القوة،
 

 
 
فالتجارب السياسية المستندة للمرجعية الاسلامية تجارب بشرية لا تأخذ قدسيتها من قدسية الإسلام كدين؛ بل منطلقات تسترشد بمرجعية الإسلام، وتتخذه نهجا تؤسس عليه حراكا إنسانيا؛ يعتريه ما يعتري الطبيعة البشرية القائمة على أساس الخطأ والصواب، لذلك؛ الإسلام السياسي تجربة انسانية قابلة للنقد والمراجعة والتصحيح بحسب الخبرة التراكمية للعاملين في الحقل السياسي، وهي خبرة قصيرة نظرا لكون الإسلام عزل عن الحياة السياسية على مدى قرنين.
 

عدم قبول النقد، وعدم مراجعة الذات، مأخذ قوي يؤخذ على العاملين في الحقل السياسي الإسلامي، وسبب هذا الإشكال من وجهة نظري يعود إلى أمرين :

1- توهم البعض؛ خصوصا في بداية القرن العشرين ان عصمة الاسلام تنجر على العمل السياسي الإسلامي! لأنها دعوة لتغليب حاكمية الله تعالى على البشر، ومعارضة هذه الحاكمية كفر وفق هذا التصور، وبالتالي نقد هذا المسار كانه نقد لهذه الحاكمية، لذلك؛ في تلك المرحلة كانت بعض الجماعات تقول نحن جماعة المسلمين! ما يعني عدم الانخراط فيها خروج على هذه الجماعة!.
 

2- ثقافة الوصاية البابوية على الانسان متجذرة في ثقافة الشرق، فهي كالماء والهواء! فسلطة الحاكم بأمره تبدأ من الأسرة وتنتهي بالسلطان ظل الله في الارض! فالأب في الاسرة هو الحاكم بأمره، والمعلم في المدرسة، والمدير في العمل، والمختار في الحي..... وهكذا حتى أن الإنسان الشرقي غير قادر على تصور نفسه يحيا بلا وصاية أحدهم عليه!.
 

الجماعات الإسلامية جزء من هذا الواقع، وهي تحمل كل حسناته وعيوبه ومثالبه، لذلك هي جزء من الثقافة العامة التي ابتلي بها المجتمع.
 

مخرجات هذا الإشكال..
 

عدم قبول المراجعة والنقد الذاتي انعكس على شكل آثار قيدت العمل، وساهمت في تاخير تحقيق الإسلام السياسي أهدافه بالوصول للحكم ومن هذه الاثار:

أ- الجمود الحركي الذي سببه عدم تحرك دورة الحياة داخل كيان الجماعات الإسلامية، فالإنسان بحسب الثقافية الاسلامية يزداد قيمة في التنظيم كلما اكتسب اقدمية دعوية، لذلك، حين تختار الجماعة شخصا في موقع قيادي داخلها؛ يأخذ تأبيده في هذا الموقع! لايزيحه إلا الموت، وإن قيل له تنحى وأفسح المجال لغيرك ينقلب على عقبيه ويقلب لجماعته ظهر المجن.
 

ب- شخصنة العمل السياسي وغياب المؤسسية، وكأن انفراد النبي صلى الله عليه وسلم المدعوم بالوحي مبرر لوجود (الحاكم بأمره) داخل الجماعة، يدعم ذلك العشرات من النصوص التي جائت تطالب المجتمع بطاعة الامير، والتي انزلت على العمل السياسي الحزبي إنزالا.

ج- بروز ظاهرة التهميش داخل صفوف الاحزاب والجماعات الإسلامية خصوصا لشريحة الشباب والنساء، ما يستدعي حصول انشقاقات داخل الصف على فترات، حيث تخرج حركات تصحيحه تؤسس لأحزاب جديدة؛ سرعان ما تكرر أخطاء الأحزاب التي انشقت عنها.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

ما أصل عبارة "كومير" التي يطلقها المغاربة على نوع من الخبز؟

عبد الصمد الإدريسي يكتب: الإشادة بالجريمة الإرهابية في القانون المغربي

لوموند: تناقص المدارس الحكومية بمدن المغرب الكبيرة